أوصى حكيم أعرابي قديم صديقاً له أراد سفراً فقال: “إنك تدخل بلداً لا تعرفه ولا يعرفك أهله فتمسك بوصيتي تكتب لك السلامة، عليك بحسن الشمائل فإنها تدل على الحرية، ونقاء الأطراف فإنه يشهد بكرم المنبت والمحتد، ونظافة البزة فإنها تنبئ عن النشء في النعمى، وطيب الرائحة فإنها تـظهر المروءة، والأدب الجميل فإنه يكسب المحبة، وليكن عقلك دون دينك وقولك دون فعلك ولباسك دون قدرك، والزم الحياء والألفة فإنك إن استحييت من الفظاظة اجتنبت الخساسة، وإن أنفقت من الغلبة لم يتقدمك نظير في مرتبة”.
كما أوصت أعرابية ابنها في سفر فقالت: “يا بني إنك تجاور الغرباء وترحل عن الأصدقاء ولعلك لا تلقى غير الأعداء، فخالط الناس بجميل البشر واتق اللّه في العلانية والسر”.
وقال الإنجلـــــيز في تراثهم القديم عن المســــافر:
“يجب أن يكون له عينا صقر ليرى كل شيء، وأن يكون له أذنا حمار ليسمع كل شيء، وأن يكون له ظهر جمل لتحمل أي شيء، وساقا معزة لا تتعـــبان من المشــــي، وحقيبــــتان إحـــــداهما امتلأت بالمال والأخرى بالصبر”…
ومن أدب الرحلة:
يزخر تراثنا الإسلامي برصيد مجيد من أدب الرحلة خلفه رحالة علماء أفذاذ ودونوا لنا ما لم تدونه كتب التاريخ السياسي ومصادره، فسجلوا في كتاباتهم تلك مشاهداتهم المختلفة وصنفوا عادات وتقاليد الشعوب المختلفة وتحدثوا عن طبائع الناس وتطرقوا لتحليل جوانب أكثر دقة وأهمية في مختلف المجالات، ودمجوا ذلك وصاغوه بأسلوب يجمع بين الواقعة التاريخية وعنصر الإثارة والتشويق.
ويمكن بذلك أن نقول: “إن أدب الرحلة يمثل نوعاً من الكتابة تكثر فيه الشهادات المدونة التي تنقل المطالع إلى أصقاع بعيدة لا يعرفها فتطلعه على أحوال تلك البلدان جغرافياً واجتماعياً وتاريخياً واقتصادياً.
ويقف على رأس القائمة الطويلة للرحالة المميزين في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) اليعقوبي، وابن وهب القرشي، وسلام الترجمان، وفي القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) المسعودي، والمقدسي، وابن حوقل، وابن فضلان، وفي القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) عرف الناس أبا الريحان البيروني، في حين عرفوا في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) رحالة المغرب الذين شدوا رحالهم صوب الشرق قاصدين حج بيت اللّه الحرام أول أمرهم ثم تأصل حب الرحلة في قلوبهم فأولعوا بالتنقل والترحال ودونوا ذلك في مؤلفات خالدة القيمة والأثر نذكر منهم الإدريسي وابن جبير، وأبا حامد الغرناطي، وابن أبي بكر الهراوي، وإذا انتهينا إلى القرنين السابع والثامن الهجريين (الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين) فإننا نذكر بكل فخر واعتزاز في هذا المجال رحلات البغدادي والحموي المغربي، حتى إذا انتهينا إلى أرفع مستوى بلغت فيه رحلات العرب المسلمين أقصى غاياتها من حيث الغنى ومن حيث الاتساع نجد ابن بطوطة وقد أنفق في رحلته حوالي ثمانية وعشرين عاماً قطع خلالها ما يساوي مائة وعشرين ألف كيلومتر، ثم نجد البلوي وابن جابر، ونجد كذلك محمد بن قو سلطان مالي.
وفي عصرنا الحالي يطل علينا عدد من الرحالة العرب المشاهير تمكنوا من التجول والسفر والترحال بين بلدان العالم المختلفة ودونوا بأسلوب بارع ذي نفحة أدبية خفيفة أطرافاً من رحلاتهم في عدد من الكتب القيمة في هذا المجال.
شعر ونثر
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أن الأدب العربي قد حفل بالكثير من القصائد والنثر الذي يحث على الأسفار والرحلات كما حفل بالكثير الذي يعارض ذلك.
ونورد على سبيل المثال ما ينسب للإمام الشافعي من قوله رحمه اللّه حاضاً على الرحلة والسفر:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة
وقطع فياف وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته
بدار هوان بين واش وحاسد
أما المعارضون للسفر والرحلة فقد عبر عنهم شاعرهم بقوله:
تفكر إخوان وفقد أحبة
وتشتيت أموال وخيفة سارق
وكثرة إيحاش وقلة مؤنس
وأعظمها يا صاح سكن الفنادق
فإن قيل في الأسفار كسب معيشة
وعلم وآداب وصحبة فائق
فقل كان ذا دهراً تقادم عهده
وأعقبه دهر كثير العوائق
وهذا مقالي والسلام مؤبد
وجرب ففي التجريب علم الحقائق