يعد رمضان في العاصمة البريطانية حدثا بارزاً اليوم اكثر من أي وقت مضى، ولم تعد أمسيات رمضان وخيمه وافطاره الجماعي وسهراته مقتصرة على مدن الشرق، فقد اصبح الاذان في لندن جزءاً من نبض هذه المدينة المتعددة الألوان والاشكال، وصارت المساجد جزءاً من ملامحها مثلما اخترق الحجاب تقاليدها العريقة في المودة والازياء.
وعلى مدار الشهر تستمر الفعاليات الاسلامية متمثلة في وجبات الفطور الرمضانية بأسعار رمزية، وتوزيع الكتيبات الإسلامية للتعريف بحقيقة الإسلام، ويتبع ذلك طقوس دينية من محاضرات و صلاة.
وتحرص الجاليات العربية في بريطانيا على ان تعيش رمضان في اجواء تذكرها بالوطن، فالجاليات الباكستانية والخليجية والعراقية تجتمع في مساجد او قاعات تؤجر لهذا الغرض حيث تعقد الامسات الرمضانية التي تبدا بالافطار وتنتهي بالاحاديث في المواضيع ذات الاهتمام المشترك وقراءة القران. ومن الامثلة على ذلك ماتقيمه الجالية الكويتية والسعودية، من مائدة إفطار جماعية مع الأصدقاء تحتوي على أطباق الأكل المميزة يتخلل ذلك الاحاديث الودية والدعاء وقراءة القران ومشاهدة برامج التلفزيون .وغالبا ماتساهم السفارات العربية في دعم النشاطات الرمضانية وتعده جزءا من عملها.
و تحرص المطاعم العربية على توفير احتياجات الصائمين وتعد برامج خاصة لوجبات الافطار حيث أن حاجات رمضان وتواجد المسلمين يجعل رمضان مميزاً في بريطانيا اذا ماقورنت ببقية بلدان اوربا مثل النرويج والسويد. ويضيف شعرت برمضان حقيقي في لندن بعد ان حرمت من ذلك طيلة وجودي في النرويج.
ولايبدو ذلك غريبا اذا ما عرفنا ا أن المسلمين يمثلون اكثر من 5 % من عدد سكان بريطانيا وحسب إحصائيات رسمية فإن عدد المسلمين في بريطانيا من مختلف الجنسيات يعادل نحو 50 % من مجموع الجاليات العرقية والدينية في بريطانيا. والقاسم المشترك بين مساجد بريطانيا هو ازدحامها بالمصلين، حيث يجد الصائمون الترحيب والحلويات بانتظارهم.
والجدير بالذكر ما أكدته مصادر صحفية بريطانية أن عدداً من المسيحيين البريطانيين يقومون بصيام بعض أيام شهر رمضان إظهارا للتضامن مع المسلمين في هذا الشهر. وبحسب صحيفة “لانكاشاير إيفنينغ تيليغراف” البريطانية فان عددا من المسيحيين يتناولون السحور، والصيام منذ الفجر حتى غروب الشمس بهدف تنمية روح الاندماج في المجتمع.
يقول انتون سمث وهو مسيحي يصوم مع اصدقائه المسلمين تضامنا معهم بأنه لايرى صعوبة في الامر. ويضيف ان الصيام علمه على التضامن والصبر و العيش المشترك. ويمكن القول ان مسلمي الهند وباكستان صبغوا رمضان في لندن بصبغة اسيوية اسلامية. ويقيم هؤلاء المغتربون موائد افطار كبرى وتستوعب مساجدهم اعدادا هائلة من الصائمين.
المسجد الكبير بلندن يقدم موائد افطار يومية بعد أداء صلاة المغرب. ويحضر الصائمون المسلمون بالالاف في صحن المسجد عربا وباكستانيين وبريطانيين في لقاء يومي حميم، يبدأ بالصلاة ثم تناول الافطار والاستماع إلى آيات الذكر الحكيم من أئمة وقارئين، يرسلهم الأزهر الشريف كل عام إلى لندن لمواصلة هذا التقليد الإسلامي.
ويقدم مسجد شرق لندن الذي أنشئ عام 1910 أنشطة إسلامية متنوعة خلال رمضان تشمل موائد الافطار الكبرى وصلاة التراويح وقراءة القران والادعية. ويحضر ليالي رمضان مئات المسلمين من جاليات مختلفة. ويقول (قادر برعي ) الذي يحضر ليالي رمضان في هذا المسجد ان مايقدمه المسجد من خدمات في اجتماع المسلمين وتوحد كلمتهم امر عظيم. ويجتمع المسلمون في مسجد الجامعة الواقع على شارع فكتور ستريت حيث يصلون ويقراون القران. وفي منطقة “وستهام” وفي مسجد “إبراهيم ترى المشاهد الرمضانية بارزة هناك.
العيد
في العيد يتسابق المسلمون لشراء الأضحية في العيد وهي ليست متوفرة بالشكل المعتاد عليه في بلادنا العربية والمسلمة فلا يوجد سوق للمواشي داخل المدينة وهو يقع على حدود العاصمة لندن وعملية الذبح تتم في مناطق خاصة وهي بحد ذاتها تثير الكثير من الجدل بين حلال وحرام (ذبح على الطريقة الإسلامية).
ويبلغ سعر الأضحية الواحدة بين 75-80 جنيهاً استرلينياً ويتم شراؤها من محال خاصة أو من منطقة الذبح الخاصة، فالذبح في البيوت والمناطق السكنية غير مصرح به على الإطلاق، وتتباين القدرة الشرائية على أضحية العيد سألنا البعض عن رغبات الزبائن في شراء تلك الأضحية في فترة العيد، أجابتني بورتال محادوش مهي مسلمة من البوسنة: الأضحية مكلفة لا أستطيع دفع مبلغ 80 جنيهاً استرلينياً.
باجال سينغ مسلم من الهند شاهدته يقف أمام مركز السوق فسألته ماذا تحمل بيديك؟ فقال لي (إنني أعمل متطوعاً أيام العيد في جمعية الإيمان الخيرية وأقوم بجمع التبرعات المالية في أيام العيد، ورمضان للمحتاجين من إخواننا المسلمين، أما عن الأضحية فهي ليست على شاكلة المتعارف عليه في بلداننا نحن نقوم بشراء الأضحية جاهزة ونقوم بطبخها وإطعام الفقراء منها
لكن هناك من يرى ان التهافت على شراء الأضحية قد شهد تراجعاً كبيراً بالمقارنة من السنوات الماضية ويعزون ذلك إلى وجود أسباب مالية واقتصادية ناهيك عن إحجام بعض المسلمين من تعاطي اللحوم وذلك بسبب اللغط على شرعية الذبح وارتفاع أسعاره. أما فيما يتعلق بمظاهر الاستعداد لعيد الأضحى فهي لا تختلف عن أي عام، فالمحال التجارية تشهد إقبالًا كبيراً من الزبائن وهناك الكثير من السياح العرب القادمين من منطقة الخليج العربي للتبضع وقضاء العيد في بريطانيا مع بعض الأهل.