كانت رحلتي إلى عمان بمثابة أول دعوة صحفية مجانية أتلقاها إلى العاصمة العمانية مسقط. ومع أني دائم السفر والترحال، إلا أن هذه الرحلة كان لها طابعها الخاص. كان علي الانضمام الى مجموعة من الصحفيين في المبنى رقم 2 في مطار دبي الدولي عند الساعة 5:30 صباحاً، حيث أقلتنا طائرة فلاي دبي إلى مسقط. وكانت إقامتنا في منتجع وسبا شانغريلا بر الجصة.
كان زملائي الصحفيين ينتمون إلى عدة جنسيات فقد كانوا بريطانيين ويمنيين، وسوريين، ومصريين، ولبنانيين. لم يطلب منا الكتابة على الفور عن رحلتنا ومشاهداتنا، ولم يكن الأمر قائماً على منافسة حول القدرات الصحفية، وإنما تم تدليلنا إلى الحد الذي يجعل في مخيلاتنا فيما بعد مساحة واسعة من الفهم الحقيقي لطبيعة الخدمات الفاخرة التي يقدمها المنتجع والتي تلقيناها.
وكنا مدللين مرةً أخرى، ففي المطار حرص موظفوا الخدمة الأرضية في فلاي دبي أن لا ننتظر في طابور تسليم الأمتعة مع المسافرين الآخرين. (ومن خبرة سابقة لي تعلمت أن الوصول مبكرا للمطار في حال كانت الرحلة في الصباح يعتبر أمراً مفيداً لتجنب الوقوف في طوابير طويلة) قام موظفوا فلاي دبي بأخذ حقائبنا دون الحاجة للوقوف في الطابور وتم ارشادنا إلى منطقة الجوازات حيث نقلنا سريعاً إلى الطائرة.
ومثل باقي شركات الطيران منخفضة التكاليف، فإن فلاي دبي تقوم بفرض رسوم إضافية مقابل الخدمات الإضافية التي تقدمها لعملائها كالرسوم المتعلقة بالوزن ووجبات الطعام بالاضافة إلى مظاهر التسلية أثناء الرحلة. ومع ذلك فقد قام المضيفون بتسليمنا مجموعة من السماعات والوجبات أثناء رحلتنا القصيرة إلى مسقط. كانت خيارات الترفيه جيدة وتمكنت أيضاً من مشاهدة الحلقة الأولى من المسلسل الأمريكي الشهير “رجلين ونصف”. كما أن طائرات فلاي دبي البوينج 737-800 تضفي شعوراً مميزاً بالراحة والأمان.
يبعد منتجع وسبا بر الجصة حوالي 45 دقيقة عن مطار مسقط. وفي طريقنا الى المنتجع مررنا على المسجد السلطاني الكبير، ثم انعطفنا جهة كورنيش مدينة مطرح، بمياهه التي تشبه لون السماء، مروراً بالجبال شديدة الانحدار، بجانب الوديان العميقة وبينما نحن في طريقنا إلى المنتجع لم نكن نعلم أننا قد وصلنا، وتفاجئنا بتوقف السائق فجأة أمام فندق ومنتجع ضخم.
بالنسبة للكثيرين، فإنهم لا يعلمون بأن منتجع وسبا شنغريلا بر الجصة يتكون من ثلاثة فنادق. ويعتبر الفندق المسمى بفندق “الواحة” هو المكان الأنسب للعائلات ويضم 262 غرفة. كما يضم المنتجع أيضاً فندق “البندر” وهو مخصص لرجال الأعمال ويضم 198 غرفة كما يضم أيضاً غرف للاجتماعات وتجهيزات مناسبة لعالم الأعمال. بينما يمنع على من هم دون سن الثامنة عشرة دخول فندق “الحصن” والذي يضم 180 غرفة. جدير بالذكر أن جميع فنادق المنتجع الثلاثة هي من فئة الخمس نجوم.
حللنا ضيوفاً على فندق الحصن. كانت الغرف واسعة حيث بلغت مساحتها كما وصفها دليل الفندق 48 متر مربع وهي تعتبر واسعة جداً بالنسبة لشخص واحد. وبالنسبة لزوجين فإنها أيضاً ستبدو واسعة ومريحة جداً، وبالفعل كان هناك العديد من الأزواج الذين يقيمون في تلك الغرف. بعض هؤلاء الأزواج كانوا يأتون على ما يبدو ليجددوا حياتهم، والبعض الآخر جاء ليعيد استكشاف جمال حياته الزوجية، بينما جاء آخرون من أجل تدليل أنفسهم من جديد.
وهل هناك مكان أفضل لندلل أنفسنا ومن نحب غير فندق الحصن بالغ الفخامة والأناقة؟ تم تجهيز الغرف بأفخر أنواع الأثاث والمفروشات، بينما تحتوي كل غرفة على ثلاجة صغيرة كل ما فيها مجاني للنزلاء على عكس الفنادق الأخرى. كما يقدم الفندق أيضاً شاي مجاني في كل ظهيرة. وبالنسبة لهؤلاء الذين لا يمكنهم العيش بدون الانترنت، فإن الفندق يوفر لضيوفه خدمة انترنت سريعة عبر نظام الواي فاي فائق السرعة.
بعد نقلنا إلى غرفنا، اجتمعنا لاحقاً للقيام بجولة حول المكان. تركزت جولتنا الأولى في الفنادق الثلاثة في منتجع شنغريلا بر الجصة. لقد أدهشنا في البداية حجم الغرف الكبير جداً مقارنةً بحجم الغرف في فنادق الخمس نجوم الأخرى. ولكننا اكتشفنا أن هناك غرفاً أكبر بكثير من تلك التي أقمنا فيها. لقد كان تلك هي الأجنحة الملكية الفاخرة حيث بلغت مساحة الجناح والذي يسمى “جناح جبرين” 500 متر مربع. وبالطبع فإن هذا الجناح الملكي لا يقيم فيه سوى الشخصيات الهامة أو أولئك الذين يحتفظون بأموالهم في حقائب “هيرمز بيركن”. انتقلنا بعد ذلك إلى فندق “الواحة” والمخصص للعائلات. وفي هذا الفندق شاهدنا نهراً اصطناعياً يسمى “ليزي ريفر”. ثم ما لبثنا أن أنتقلنا إلى الشاطىء الخاص وألقينا نظرة عليه، كما ألقينا نظرة أيضاًعلى مركز المساج في الفندق والمسى بـ “تشي سبا”. وبعد الانتهاء من جولتنا في “الواحة”، انتقلنا في جولة سريعة إلى فندق الحصن والذي يتميز بحوض سباحته الذي يبدو لك وكأنه لا نهاية له، بالإضافة إلى البناء والديكور الفاخر جداً.
تناولنا الغداء في مطعم التنور، والذي يقدم بوفيه متنوع وفاخر يضم أطباقاً عمانية وعربية، بالإضافة إلى الأطباق الشرق أوسطية، والفارسية، والهندية، والتركية. يمكنك في هذا المطعم أن تتابع مع طباخك كل مراحل إعداده لوجبتك. إنه دلال لا يوجد له مثيل في أي مكان آخر. لقد اتيحت لي الفرصة لمتابعة شواء أجزاء من ساق عنزة إلى المرحلة التي شعرت أنه قد أوان الأوان لي لكي أتناولها. ولربما كانت الأطباق الهندية الفاخرة التي يقدمها المطعم هي السبب الرئيس الذي دفع أكشاي كومار وعمران خان لكي يحلا ضيفين على منتجع وسبا شنغريلا بر الجصة، أثناء تصوير مشاهد الجزء الثاني من الفيلم السينمائي ” Upon a Time in Mumbai” والذي تم تصوير أجزاء منه في سلطنة عمان.
وفي الظهيرة ذهبنا في جولة سياحية في مدينة مسقط. كانت محطتنا الأولى في سوق مطرح. ويعتبر هذا السوق بمثابة نسخة مصغرة عن سوق اسطنبول الكبير في تركيا، وسوق خان الخليلي في القاهرة بمصر. يضم السوق كل ما يمكن للسائح ان يرغب بشرائه من مقتنيات تراثية أو هدايا مثل العملات الفضية العماينة، الخناجر المزخرفة بشكل يخلب الألباب، بوصلات قديمة وأثرية، صناديق خشبية، والقبعات العمانية. وبينما نحن نتجول في هذا السوق التراثي الرائع، مررنا على محل خطاط يمتلك مهارة عالية في اقناع السياح بشراء مخطوطاته، فما كان منا إلا أن أعطيناه بعض الأوراق التي طبع عليها صورة السلطان قابوس سلطان عمان، ليعطينا بدوره مقابل ذلك لوحات فنية كبيرة كتب عليها بخط غاية في الروعة اسم كل واحد منا باللغة العربية.
ثم انتقلنا بعد ذلك إلى كورنيش مطرح، وشاهدنا قوارب الصيد الراسية أمام الكورنيش، بالاضافة إلى القوارب الكبيرة واليخوت الفاخرة. انتقلنا بعد ذلك لنلقي نظرة عن بعد على المقر الرسمي للحكم حيث يقع مكتب السلطان قابوس في قصر العلم، والتقطنا بعض الصور للقلعتين المجاورتين للقصر وهما قلعتي “الميراني” و “الجيلالي” واللتان تبدوان كما لو أنهما تحرسان ميناء مسقط حيث تم نصب مدافع قديمة كانت تستخدم بالفعل قديماً للدفاع عن المدينة. لربما يتفاجىء السائح من أن ارتفاع البنايات في مسقط لا يزيد عن عشرة طوابق، وذلك لقرار صادر من السلطان قابوس بأن لا تزيد عدد طوابق أي بناية عن عشرة طوابق حفاظاً على جمال مدينة مسقط وعدم التغطية على جبالها وجمال تلك الجبال، وذلك تماماً على عكس النمط المعماري الحديث الذي نراه في دبي حيث ناطحات السحاب الزجاجية.
تناولنا العشاء في مطعم “بيت البحر”، وهو المطعم الذي يقدم أطباقاً بحرية في المنتجع. تم تقديم بعض المقبلات لنا في البداية، إلا أني وفي تلك الأثناء تلقيت تنبيه حول حلول موعد ذهابي الى مركز “تشي سبا” للمساج، وكان على الأطباق البحرية أن تنتظر. كنت بأمس الحاجة إلى زيت “هيلوت” لمساج الجسم، وياله من شعور ذلك الذي أحسست به في تلك اللحظات. تعد غرف المساج هنا شديدة الخصوصية، ويخضع العميل هنا إلى عملية مساج متخصصة حيث أن العاملين هنا يحملون مؤهلات علمية في أصول العلاج الطبيعي. وبعد ساعة، يمكنك القول دون أدنى شك أن أكثر الأشياء التي يتمناها قلبك هي النوم والنوم فقط. وبعد هذه التجربة الممتعة جداً في “تشي سبا”، فإن اقصى أحلامك سيكون هو أن تأتي عربة جولف لتنقلك كما أنت إلى غرفة نومك.
وفي اليوم التالي اتجهنا إلى عرض البحر لنشاهد عرض الدلافين. توجهنا الى المرسى القريب حيث ركبنا أحد اليخوت والذي بدوره شق بنا مياه خليج عمان، حيث أكد لنا القبطان أننا سنرى بالفعل الدلافين. وبدت القصة بالنسبة لي كما لو أني استرجع شريط ذكريات قديم. لقد استمتعت بذات التجربة أثناء زيارتي للقطب الشمالي بالقرب من “سفالبارد” بالنرويج في الصيف الماضي. وكما وعدنا القبطان عيسى فقد شاهدنا الدلافين بالفعل. كان هناك العشرات منهم يقفزون بمرح بجانب القارب كما لو كانوا يقدمون عرضاً بهلوانياً.
وقبل عودتنا شق بنا القبطان عيسى مياه البحر ليرينا الساحل العماني. لقد تمكنا من مشاهدة منحدرات الجبال الملساء، والكهوف الجبلية المعزولة. كما أدهشنا أيضاً الألوان المتنوعة لمياه البحر والتي تتدرج من الأخضر إلى الأزرق السماوي على الرغم من أننا لم نكن بعيدين جداً عن ساحل البحر.
وعند عودتنا الى الساحل، انطلقنا إلى مدرسة تعلم الغوص، حيث انضم من أحب منا استكشاف عالم الأسماك إلى جولة غوص كانت في وقت الظهيرة. أما محبي اليابسة مثلي فقد كانوا فرحين بالعودة إلى الأرض حيث لا اهتزازات تشبه تلك التي شهدناها ونحن نطفو على سطح البحر.
وفي المساء تم اصطحابنا الى المرسى من جديد حيث استمتعنا بجولة على متن يخت استطعنا من على متنه مشاهدة غروب الشمس. تم استقبالنا على متن اليخت بالمشروبات والمناشف الباردة المعطرة. لقد تساءلنا حين شاهدنا غرفتي النوم وغرفة الجلوس على متن اليخت فيما إذا كان بإمكاننا أن نأخذ هذا اليخت معنا إلى دبي ليكون بيتنا الدائم، لكننا استيقظنا من هذه الأحلام حين أخبرنا القبطان عيسى بأن كلفة هذا اليخت هي 3 ملايين دولار سنحتاج معها أن ننفق كل ما في جيوبنا لكي نؤمن تكاليف بقاءه في مرسى اليخوت بدبي. وفي كل الأحوال فنحن لم نأتِ هنا من أجل شراء يخت.
أبحرنا باتجاه عرض البحر تاركين الشمس خلفنا ترسل إلينا بضياء خافت كان يؤذن بقرب انتهاء اليوم. ولقد تناوبنا على قيادة اليخت المتطور والذي يمتلك العديد من أجهزة الملاحة الحديثة. لوحنا لعدد من اليخوت الأخرى التي مررنا بها والتي كانت تحمل السياح. قرر بعضنا أن يقف عن مقدمة اليخت، فاتحاً ذراعيه ليقلد المشهد الشهير في فيلم تايتانيك، على أمل أن تنضم إليه بطلة تايتانيك “كيت وينسلت”، والتي لم تأتِ أبداً، بينما تسلق آخرون إلى أعلى قمة اليخت باحثين على ما يبدو عن القرصان الشهير كابتن “جاك سباررو”. كان الجزء العلوي من اليخت أكثر متعةً من القسم السفلي لما وجدناه من نسيم عليل هناك أشعرنا بكثير من الانتعاش.
وأخيراً قررنا العودة مع غروب شمس ذلك النهار واختفاءها على استحياء خلف جبال مسقط. وبينما اختفت خيوظ الشمس الذهبية لتحل محلها أضواء المدينة التي شاهدناها من بعيد، كان ذلك مؤذناً بختام رحلتنا البحرية في ذلك المساء.
تناولنا العشاء في المطعم المغربي “شهرزاد” والذي يحمل أيضاً اسماً فارسياً. كان طاجن لحم الماعز الشهي يذكرنا بمدى روعة أطباق المطبخ المغربي. كانت هذه وجبة العشاء الأخيرة لنا في مسقط، وكان مضيفونا دائماً في خدمتنا حريصون على أن نكون قد تلقينا أثناء إقامتنا أعلى درجات الخدمة والتميز.
وقد اتيحت لي الفرصة وعبر شاشات الفندق الداخلية أن اشاهد عملية تصوير أحد الإعلانات التجارية الخاصة بالفندق والتي أطلق عليها اسم “ذئاب الشتاء في شنغريلا”. وفي جلسة حوار مع مدراء المنتجع، تجاذبنا أطراف الحديث حول أهمية التسويق الإلكتروني بالنسبة للجيل الجديد والذي يعتمد على تكنولوجيا الانترنت كوسيلة للتعرف على العروض السياحية وغير السياحية. ولقد علمت بأن البريطانيين لا يزالون يمثلون الجنسية الأكثر زيارة لعمان بغرض السياحة، كما قيل لي أيضاً أن الروس قد أصبحوا نزلاء رئيسيين يأتون لاستكشاف البلاد. وبدلاً من شراء “بيض فابيرج” الذي اعتاد الأثرياء الروس شراءه قديماً والذي لم يعد يباع الآن، فإن هذه العائلات الثرية الآن اتجهت الى انفاق الكثير على السياحة والتعرف على دول العالم.
تبعد مسقط حوالي ساعة عن دبي بالطائرة. وعندما يكون هناك رحلة مباشرة فإن مسقط تعتبر مكاناً مناسباً جداً لقضاء عطلة الأسبوع. إن الطبيعة الساحرة لجبال عمان ومياهها الهادئة يعدان فرصة مذهلة للهروب من المدنية الصارخة التي نعيشها في دبي وعمان هي المكان الأنسب لأخذ قسط من الراحة.
وفي اليوم التالي توجهنا ببالغ عبارات الشكر والثناء لإدارة المنتجع وجميع العاملين فيه، ومن ثم توجهنا إلى المطار لنلحق بطائرة العودة إلى دبي. تنطلق رحلات فلاي دبي من مطار دبي المبنى رقم 2 وعلى الرغم من أنه ليس بذات مستوى المبنى رقم 1 و 3 إلا أنه يتميز بعدم حاجة المسافر من خلاله إلى السير لمسافات طويلة للوصول الى الطائرة كما هو الحال في مطارات العالم الكبرى ومن بينها المبنى 1 و 3 لمطار دبي الدولي.