
كانت السياحة دوماً عاملاً فعالاً في تزاوج الأفكار بين الشعوب حيث خلقت ومنذ بدايات القرن الماضي تلاقحا ثقافياً كان الأول من نوعه في تاريخ الشعوب حيث ساعد النمو المضطرد في وسائل الاتصال والتكنولوجيا مزيداً من الفرص أمام الراغبين باستكشاف العالم ومعرفة ثقافات وتجارب الشعوب الأخرى.
وبالرغم من كون العالم العربي مرفئاً أساسياً للسياح وقبلة سياحية هامة تحتضن كل عام عشرات ملايين السياح القادمين من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى إلا أن المواطن العربي أيضاً كان له نصيب في زيارة الدول الواقعة خارج العالم العربي والتعرف على ممارسات وتجارب تلك الأمم ومن ثم قام بنقل العديد من تلك التجارب إلى موطنه الأصلي مما ساهم في خلق حركة ثقافية بوتيرة سريعة لم يشهدها العالم من قبل.
تميزت كل دولة عربية على حدة بموروث ثقافي وتاريخي متنوع حيث تميزت دول المغرب العربي وخاصة المغرب والجزائر وتونس بتوفيرها بيئة جذب سياحي تمثلت في المنتجعات السياحية وذلك بفترة طويلة قبل أن ينتشر هذا المفهوم في دول الشرق العربي كمصر والأردن وسوريا ولبنان.

كان للمواطن العربي الذي مكنته ظروفه المادية من زيارة دول ديمقراطية خارج عالمه العربي دور هام في نقل ما رأى وما عايشه من تقدم وحرية تعبير واحترام لحقوق الانسان في تلك الدول. ثم جاءت بعد ذلك ثورة الانترنت لتصبح بديلاً عن انتقال الفكر السياسي والاجتماعي الفردي وليصبح العالم كله يعيش في قرية صغيرة تنتقل فيها الأفكار والتجارب خلال أجزاء من الثانية وبضغطة واحدة على لوحة مفاتيح جهاز الحاسوب.
تطورت السياحة بشكل غير مسبوق مع بداية عصر الانترنت. لم تعد خيارات السائح تعتمد فقط على ما تقدمه له شركات السياحة في بلده الصلي من معلومات وعروض بل تعدى الأمر إلى أن أصبح السائح قادراً على رسم خريطته السياحية الخاصة به وتطبيقها بنفسه دون الحاجة إلى مساعدة مكاتب السياحة.
استطاع كثير من السياح أن يتواصلوا مع أفراد في مجتمعات غريبة عنهم ومن ثم قاموا بالتنسيق معهم لزيارة بلدانهم دون الحاجة إلى الرجوع إلى مكاتب السفر والسياحة. ومع بداية هذه الفلسفة الجديدة في مفهوم السياحة لدى الكثيرين بدأ عجلة التفاعل الثقافي والحضاري بالدوران وبدأ الكثيرون من الشباب العربي يكتشفون أن هناك أشياء كثيرة تتمتع بها شعوب أخرى بينما يفتقدونها هم في حياتهم.
لقد كان للسياحة دور كبير في تقارب الشعوب قبل عصر الانترنت وساعد الانترنت في زيادة التفاعل حيث خلق فكراً إنسانياً جديداً يتمركز حول اعتناق مبدأ قبول الاخر وما كانت صناعة السياحة على مدى المائة سنة الماضية إلا وجهاً من وجوه قبول الآخر وانتشار أفكار الحرية والديمقراطية والتي أدت مؤخراُ إلى انقلاب الأوضاع في الشرق الأوسط وخروج الشباب العربي إلى الشارع مطالبين بحقوقهم أسوة بالشعوب الأخرى التي رأوها ترفل في نعيم الحرية واحترام حقوق الانسان والوضع المادي الجيد.